ضمن سلسلة مقابلات مع المرشحين لجوائز تميّز لعام ٢٠٢٠، تحاور مجلة المدينة المدورة مختبر “أي دبليو” من سوريا و المرشح لجائزة محمد مكية للشخصية المعمارية الشرق اوسطية. في هذا الحوار نتعرف على بدايات المختبر، مشاريعه و دوره في المساهمة بتطوير واقع البيئة المبنية في سوريا.
بدأ أي دبليو لاب في سنة 2009 العمل كاستجابة لظروف الممارسة المعمارية في سوريا. وفقاً للمختبر، عادةً ما يتم تحويل المعماريين المتخرجين إلى معقبين لرخص البناء، والتجول بين مكاتب البلدية. لم تكن العمارة ممكنة كممارسة ضمن سياقها الاجتماعي-الاقتصادي. قام المؤسسون بتقديم الأي دبليو لاب كمنصة للبرامج الثقافية مع الدراسات الفنية والعمرانية والتراثية في سبيل الترويج لنموذج الممارسة الصحيحة المعمارية التي يجب ان تتفاوض بشكل استباقي وتشارك في العمل في مدينة دمشق. منذ إنشائه، مر للمختبر بمرحلتين: الأولى كانت بين عامي 2010 و 2012، عندما أكمل المختبر منشأتين عمرانيتين، وبرنامجين لتعليم التراث والعمارة للأطفال، إضافة لأبحاث عن ساروجة، وهي من المناطق التاريخية المهددة في دمشق. التغيير المحوري الذي حدث في المرحلة الثانية كان بقرار تشغيل المختبر بين دولتين، سوريا والدنمارك أولاً، ثم سوريا والمملكة المتحدة. منذ عام 2012 يتم تنسيق جميع مشاريع المختبر وتخطيطها وإعدادها عبر الإنترنت. يدعو الاي دبليو لاب اليوم إلى الممارسة المعمارية المحلية بدلاً من الممارسة الموضوعية، وتتركز أنشطتها حول مدينة دمشق و داخلها، وكذلك عبر الإنترنت. منذ عام 2017 كان لدى المختبر أكثر من 300 طالب مسجلين في ورش عمل في سوريا عن (التوثيق، ورسم الخرائط، والنمذجة)، ونشروا ثلاثة كتب حول ورش العمل هذه، وقادوا برامج التدريب على البناء في الأردن وإسبانيا.
في هذه المقابلة نتحدث مع وسام العسلي المؤسس المشارك لمختبر أي دبليو
اخبرنا عن بدايات المختبر و تأسيسه.
نشأ مختبر أي دبليو كنوع من الاحتجاج على التعريف المتحجر للممارسة المعمارية في سوريا حيث لا تكون العمارة كممارسة في سياقها الاجتماعي والاقتصادي خياراً متاحاً. لذا يجمع المختبر بين البرامج الثقافية والفنون والدراسات الحضرية والتراثية للترويج لنموذج من الممارسة المعمارية التي تفاوض بشكل فعال وتشارك في المدينة. خصوصاً في السؤال عن من وكيف نمثل المدينة من جهة، وكيف سيقوم هذا التمثيل بالتأثير على مهنة وتعليم العمارة من جهة أخرى.
أي دبليو لاب هو امتداد لشراكه بين مؤسسيه بدأت منذ المراحل الأولى في الدراسة الجامعية، آخذة شكلها الاولي بعد تخرجنا والبدء بتأسيس عمل مشترك يجمعنا في 2009.
ما جمعنا حقاً هو دمشق واهتمامنا فيها. بتمازجاتها وتناقضاتها، واختلاج ذاكرتها بين الحاضر والماضي. كنا نبحث عن فسحة نقدية للعمل مع وفي دمشق، وهي فسحة بالغة الصغر وتكاد تكون معدومة، إذ تقتضي دفع مهنة المعماري خارج دائرة “التقنية” فقط باتجاه دور مجتمعي وعمراني. كانت تلك المساحة هدفنا والتي لاجلها استعملنا أدوات من الفن والتعليم لفتح باب النقاش عن دمشق التاريخية والمعاصرة.
كان موقع المختبر على مدخل حي ساروجا التاريخي دافعاً للاهتمام بهذا الحي المهدد بالهدم كونه خارج سور دمشق فعملنا عدد من المعارض والتجهيزات العمرانية للشرح عن قيمة الحي كامتداد للمدينة القديمة وتركيباتها العمرانية والاجتماعية. كما توسع هذا الاهتمام بتاريخ المدينة لتصميم برامج تعليمية عن العمارة والعمران في دمشق للاطفال واليافعين. بهذه النشاطات بدأ دورنا في المختبر بالتبلور كمرصد تعليمي وفني للعمران والعمارة في سوريا عامة وفي دمشق خاصة. وإذ كان هذا الرصد مطلوباً في بدايات عمل مختبرنا، فقد أصبح حاجة ملحة مع تطور الأزمة في سوريا واقترانها بالتغييرات القسرية والمتسارعة الممثلة بالعنف العمراني، والبيئي، و المجتمعي. كل هذه التغيرات كان لها بالغ الاثر في توجهاتنا وادواتنا في العمل المعماري للتعامل مع اسئلة تتعلق باللجوء، الضغط العمراني، وسياسات إعادة الإعمار.
لحظة: معرض حضري في منطقة ساروجا التاريخية في دمشق عام 2010 لحظة: معرض حضري في منطقة ساروجا التاريخية في دمشق عام 2010
كيف أثرت مبادرتكم على الممارسة المعمارية في سوريا؟
يمكننا ان نرجع أصول مختبرنا لعاملين، الاول يتعلق بالتعليم والممارسة المعمارية، والثاني بحثي واشكالي يتعلق بالمدينة كحالة دراسية تدور في مجالها كل اعمالنا وتجاربنا.
أما في ما يتعلق بالعملية التعليمية فنرى في علاقة المختبر مع المجتمع والمدينة فضاء حر للتفكير والعمل المعماري يطور من ادوات وادوار المساهمين فيه ويجعل من المجتمع والمدينة مشاركين فاعلين في الاستثمار الفكري والمجتمعي وليس العقاري والمادي فقط. إن أحد اهم أهداف المختبر مشاركة طلاب الهندسة المعمارية في نقاشات العمارة والعمران خارج النظام التقليدي التعليمي. منذ عام 2010 عمل المختبر مع العديد من الطلاب داخل وخارج سوريا في ورشات نقدية وفنية منتجاً عدد من المعارض في سوريا، الدنمرك، وبريطانيا.
فيما يتعلق بالبحث، يركز مختبرنا على التخطيط المضاد كآلية للتفاعل مع المدينة. قام المختبر بإضاءة مرويات مهمشة عن العمران في دمشق، خصوصاً تلك المتعلقة بالمناطق ذاتية التخطيط والمسماة بالعشوائية. استخدمنا ادوات تواصل بصرية ونصية لشرح وتفصيل سمات انشائية ومعمارية في هذه المناطق لتكون سهلة التواصل مع المعماريين ودارسي العمارة. كما قدم المختبر عدداً من الورشات التي مزجت اساليب التعبير الفني كالمسرح والرسم مع ادوات التعبير المعماري كرسم الخرائط والرسم ثلاثي الابعاد.
ما هي مقاربتكم لتقديم نموذج للممارسة المعمارية الذي يتفاوض بشكل استباقي ويشارك في العمل في مدينة دمشق؟
بشكل أساسي، نحاول تقديم رؤية جديدة للممارسة المعمارية في سوريا ودمشق خارج اطار تصميم المباني فحسب. تتسم مهنة العمارة بامتلاكها ادوات تعبيرية قادرة على شرح تعقيدات المدينة من خلال التعبيرعن هذه التعقيدات بصرياً، متيحين المجال للجمهور المتخصص والعام لفهمها والتفاعل معها. في عملنا نركز على ثلاث محاور:
المحور الأول مكاني يتعلق بأثر الممارسات المعمارية والعمرانية على العدالة البيئية والمكانية للمدينة. نقوم بابحاث وتقارير وورشات عمل متعلقة بسياسات السكن قبل وبعد الازمة محاولين بذلك رفض تأطير السكن ما بين ثنائية العشوائي والمنظّم والنظر إليه كعملية ناتجة عن طبيعة ومحدودية المصادر البيئية والاقتصادية.
المحور الثاني منهجي يتعلق بدراسات التراث والحرف الانشائية، نفترض فيها أن دراسة وإعادة اعتبار مناهج الحرف في إنتاج البيئة المبنية واتباع مبادئها وأسلوبها يعد منهج بديلاً لتحقيق العدالة والتنمية والرفاه في إنتاج المدينة نقوم بإضاءة وتوثيق حرف مهمشة نراها ذات دور مهم في علاقة الانسان بالبيئة. ركزنا على حرفة نسج القصب على ضفاف وادي بردى ودور هذه الحرفة بتأمين مواد بناء للمناطق العمران الذاتي المتاخمة للوادي.
أما المحور الثالث أكاديمي فيتعلق بالتعليم المعماري، كان للتشاركية والتفاعل مع طلاب العمارة والمعماريين حديثي التخرج دور أساسي في عمل المختبر في أبحاثه وورشاته العديدة في دمشق وخارجها.
هل حافظتم على توجه المختبر مع تغير الوضع و توسع المختبر؟ ام يمكننا القول ان التوجه و نوع المشاريع تغير بمرور الوقت؟
خلال عشر سنوات من الازمة السورية يظهر بشكل جلي أثر ودور العمارة في المجتمع والمدينة، الذي يعود بنا للتفكير بشكل مغاير لما اعتادت عليه المدينة خلال عقود خلت. فكانت عوامل الحالة الأمنية المعقدة داخل سوريا من جهة والعقوبات الاقتصادية تأثير مباشر في تقليص من حجم النشاطات المدعومة مادياً داخل سوريا. بالمقابل، كانت دمشق مادة غنيةً ومصدراً ملهماً لنا في هذه العملية بتجلياتها التاريخية، والمعاصرة، ومؤخراً في تجلياتها خارج حدودها الجغرافية محمولة بذاكرة أهلها المبعدين.
شكلت الازمة في سوريا منعطفا مهماً في مسار عمل IWlab ، حيث أن لخصوصية العمل في سوريا تحديات منهجية تتعلق بإدارة وتنسيق تجميع المعلومات، مشاركتها، والعمل بها. وهي تحديات استوجبت اعتماد اليات مرنة وذات صيغة عفوية ومتقبلة لتقليل المخاطر من جهة. وتطويع هذه الاليات لتصبح “عذراً” أو اداة لعمل جماعي شاركنا في الطلاب في سوريا بافكارهم ومعلوماتهم. قمنا مثلا بتطوير الفيديو كاداة للرصد العمراني، كما انجزنا عددا من ورشات التصوير كوسيلة لتجميع المعلومات البصرية والنصية معاً، فكان للمشاركين مساحة للتعبير عن هوية وأهمية ما قاموا بتصويره.
على صعيد شخصي، فكان لانتقال احد المؤسسين للمختبر للاقامة في الدنمارك ومن ثم في المملكة المتحدة أثراً على كيفية إدارة المشاريع. بدلا من ايقاف نشاطات المختبر بشكل نهائي، قررنا الاستفادة من مواقعنا الجغرافية لكسر حاجر (جوا البلد- برا البلد) والذي يتأصل يوماً بعد يوم في الخطاب السوري عن المشاريع الثقافية. بالطبع كان لهذا القرار تبعات على طبيعة المشاريع والتي ليست متماهية تماماً كمنتج واحد، لكننا قبلنا هذه الاختلافات معتبرينها جزء من سعة ورحابة المجال المعماري. يبقى ذكر كل سنوات العمل منذ عام 2012 كانت تتم بالتنسيق عن بعد دون أن نلتقي كمؤسسين في مكان واحد، ونعتبر ذلك بحد ذاته تحدي قمنا بتجاوزه بالتنسيق المستمر والثقة المتبادلة.
حدثنا عن مشاريع المختبر.
يمكن تمثيل مشاريع المختبر بمسار لسلسة تجارب متتابعة، والذي بدا منذ نشأة المختبر 2010 باستخدام الفن كوسيط لحوار مجتمعي عبر مشروع “لحظة” معرض عمراني لساروجا يهتم بالفن في المدينة وتعزيز الوعي بالجوانب المهملة من تراثها الغني، يشارك المجتمع ويجعله جزء من سياق المكان وتاريخه.
ومن ثم تتابعت التجارب للاستكشاف والحوار مع فئات مجتمع اكثر حساسية – الاطفال. ضمن أكثر مجالات العمل حذرا – التعليم – عبر مشروعين، الأول مشروع “معبر” منهج تعليم تفاعلي للاطفال عن تراث المدينة، والثاني مشروع هذه مدينتي : ورشة عمل شاركية للاطفال عن بنية المدينة، أقيمت هذه المشاريع بمشاركة حوالي 50 طفل.
في 2014 تم انجاز مشروع “التغيير” اكثر التجارب التي اخرجتنا من حيز الامان الذي نمارس فيه نشاطاتنا الى حيز التهديد والتحدي. تمثلت بورشة عمل تشاركية نحاور فيها سوريا قبل واثناء وبعد التغيير – ضمن حيز اكاديمي حذر – مع اكثر من 50 طالب عمارة بالتشارك مع المدرسة الملكية للفنون في الدنمارك. تبعه عدة نشاطات وتجارب تناقش المدينة وتراها مجسدة ونحاول سماعها ومعرفتها وقرائتها في كل من الاعمال ” المدينة كجسد و الخريطة المعرفية للمدينة ” بمشاركة أكثر من 60 طالب معماري.
ضمن هذا المسار يعتبر أكثر التجارب زخماً وغناً هو المشروع البحثي “العمارة كحرفة؟ البناء والعدالة البيئية” والذي تم تمويل من قبل المجلس العربي للعلوم الاجتماعية. يدرس المشروع أساليب البناء في المناطق عشوائية في دمشق ودراسة تاريخ البناء العشوائي وعلاقته بطائفة البنائين في أواخر العهد العثماني. نتج عن المشروع بأربعة منشورات وفيلم قيد الانجاز. لكن ما توج المشروع حقاً هو بمنصة تفاعلية عبر الإنترنت اسميناها (مرصد العشوائيات) والتي تظهر بشكل عملى كيف يمكن لأدوات التصميم أن تساعد في تصور وبالتالي فهم البناء العشوائي من خلال عدسة المواد والتفاصيل موضحاً ثراء حلول التصميم المدفوعة محليًا في معالجة شح المصادر. أخيراً، وسع هذا البحث حول البيئة المبنية عملنا كمعماريين فكنا جزءا من تصميم وبناء مدرستين للاجئين في الأردن ولبنان، آخر هذه المشاريع كانت مساحة لعب في مدرسة جسور للأطفال اللاجئين في البقاع. بالشراكة مع مكتب Les Architectes Workshop عملنا في هذا المشروع على فكرة الهدم والاقتطاع كمحدد للفراغ، فقمنا بقص الصبة الكتلة الاسمنتية الموجودة سابقة كساحة لعب وترك مجال للتربة بالتداخل معها.
موخرا عملنا مع مؤسسة العمران العربي على مشروع جماعي تحت اسم تفصيلة، وفيه نسعى من خلال العمران العربي على مد عملنا باتجاه اقليمي ومع مؤسسات تعمل في وعلى مسائل العمران في الشرق الاوسط.
ما الذي حققته الورشات؟ و ما كانت نتاجاتها؟
على المدى القصير، كان للورشات أثر مباشر من خلال إثراء التعليم المعماري ورفده بموارد معرفية وعمل ميداني. أما على المدى الأبعد، يتحول مختبرنا لشكبة واسعة من الطلاب والمشاركين ونأمل من هذه الورشة انتاج حركة جمعية من طلاب سوريين داخل وخارج سوريا باتجاه فهم نقدي لمرحلة مفصلية في حياة المدينة ” اعادة الاعمار”.
كان للورشات منتجات عديدة، أنتجت ورشات التغيير و المدينة كجسد منشورات وكتيبات عن اعمال الطلاب. كما قامت ورشة التغيير بانتاج مبادرة Urbegony التعليمية والتي تجمع بين طلاب سوريين بمراحل دراسية مختلفة. كما قمنا في اغلب النشاطات بانتاج معارض معمارية وفنية في دمشق، كامبريدج، كوبنهاغن.
كان للورشات المتعلقة بالعشوائيات دور اساسي في تجميع البيانات للبحث. فكان الطلاب ونشاطاتهم عنصر اساسي في العملية البحثية. كما انتجت الورشة مرصد العشوائيات وهو الذي وضعنا به كل هذه البيانات بشكل مفتوح المصدر ومتاح للباحثين والطلاب.
ما هي خططكم المستقبلية؟
في سرد مستقبل مختبرنا ورغبتنا في استدامته نعمل بشكل دائم بالبحث عبر مجموعة نشاطات تهدف في التوجه للمجتمع ونظراء من الباحثين في مجالات مشابهة لايجاد سبل اكثر لسبر المدينة. نتوجه في نشاطاتنا المقترحة إلى المقاربات التالية:
– الانتقال من المجال الامن في البحث لمجال الحوار مع الداخل والخارج
– خلق طرق ابتكاريّة للعمل والتعاون واستخدام الفن كوسيط للتواصل وحرية التعبير والتلقي.
– عرض الحقائق بمقاربات تلامس المجتمع خصوصاً بما يتعلق بالبيئة المبنية وعلاقاتها بالتصميم البيئي
حالياً يتابع المختبر مساره في عمل تشاركي مفتوح المصدر في مشروع ” مسرح معماري ” حيث نجد في المسرح مجالاً اكثر حرية في التفكير والابداع والتعاطي مع المجتمع في حالات العزلة من الجائحة والتضخم الاقتصادي. وعلى صعيد خاص نخطط للبحث عن أمكانية تطبيق ما تعملناه في مشروع ” العمارة كحرفة” في البناء والإنشاء.
أخيرًا ، شرعنا في مبادرة مشتركة مع العمران العربي تحت اسم “تفصيلة” . يدعو المشروع المعماريين والمخططين والجغرافيين وعلماء الآثار من بين العديد من التخصصات الأخرى لتقديم وشرح تفصيلة واحدة من عملهم أو بحثهم عن البيئة المبنية في المنطقة العربية. تفصيلة متاحة على موقع العمران العربي.