صادفت اسم رفعة الجادرجي لأول مرة في منتصف الستينيات عندما ظهرت أعمالي وأعماله في المجلة المعمارية الدولية أركيتكتشرال ريفيو . كنا في ذلك الوقت نعتبر ممارسين متمردين نحاول التصدي للحركة الحداثية المتفشية آنذاك والأسلوب الدولي. وقد تركزت جهودنا المضاده في إنشاء عمارة حديثة ولكنها إقليمية، ومتأصلة في الذاكرة والتقاليد. عند مشاهدتي أسلوب عمارة رفعة الجادرجي، أدهشني على الفور نهجه الجديد في إعادة تفسير الأنماط التقليدية لبلده العراق إلى لغة معاصرة رائعة، وأدركت أن هذه لغة معمارية متميزة.
لم أكن أعلم أن حياتنا ستتشابك لاحقًا، وإنني سأكون محظوظًا للعمل تحت إشرافه وسوف أشاركه صداقة وثيقة وقيمة. بعد وقت قصير من اجتماعاتنا الأولية، أدركت أن رفعة الجادرجي كان أكثر من مجرد معماري لامع. كان موهوبًا بعقل مدرك فريد من نوعه، وكان أحد هؤلاء الأشخاص النادرين الذين حظيت بالتعرف عليه. فبعد كل لقاء معه كنت أخرج وأنا أكثر ثراءاً فكرياً بالنسبة لي، كما هو الحال بالنسبة للكثيرين في هذا التكريم، لم يكن فقط رفعة صديقًا يحظى باحترام كبير، بل كان أيضًا معلمًا رائعًا وملهمًا. فقد كان من القلة القليلة التي أثرت في حياتي.
ما زلت ممتنًا بشكل خاص له لأنه في أوائل الثمانينيات، بعد تعيينه مستشارًا لأمانة بغداد، دعاني لأن أكون جزءًا من مجموعة المعماريين الدوليين* التي اختارها للإشراف على برنامج إعادة إعمار المدينة. أما من بين أعز ذكرياتي التي أذكرها له فهيي تضم الأمسيات التي أمضيتها في الحديقة المقوسة بأشجار النخيل في منزله التي نظمتها بطريقة صحيحة زوجته السيدة بلقيس شرارة بصحبة العديد من المعماريين المدعوين. فقد وقف الجميع ينظرون بإعجاب إلى رفعة الجادرجي، ليس فقط كمعمار عبقري، ولكن أيضًا باعتباره مبدعًا فكريًا وفيلسوفًا ومن أعمق المفكرين.
للأسف، كانت هذه التجارب قصيرة الأجل، حيث تضاءلت الأموال المخصصة لبرنامج البناء بسرعة، وتم تحويلها إلى تمويل الحرب بين العراق وإيران؛ ونتيجة لذلك، بقيت العديد من المشاريع التي كُلف بها رفعة الجادرجي بعد عام 1984 إما غير مكتملة أو ظلت موجودة كرسومات على ورق على ورق.
بعد أن غادر رفعة الجادرجي العراق واستقر في لندن واصلنا اللقاء والحوار وتعمقت صداقتنا. فقد كانت اللقاءات مع فرد بهذه الصفات الموهوبة، والبراعة الفكرية، مغطى بسحر فطري راقي يثري حياة المرء ويثمرها. وأعتبر نفسي محظوظًا لأني قضيت وقتاً معه وتمكنت من اعتباره زميلًا محترفًا وصديقًا محترمًا. وتعبر المقالات المكتوبة في هذا العدد الخاص والموثقة لهذا التكريم عن احترامي وإعجابي به.
وأنا أشعر بالامتنان حقاً لأن السيد أحمد الملاك قد اتاح لي فرصة الكتابة و مشاركة هذه الذكريات الجميلة في هذا العدد الخاص.
لقراءة بقية مقالات العدد الخاص بالذكرى السنوية الاولى رحيل رفعة الجادرجي