في الستينات ومن على صفحات مجلة فرنسية شهيرة تهتم بالمنجز المعماري، اسمها، عمارة اليوم، كان اللقاء الأول مع المعمار العراقي رفعة الجادرجي وقد لفت نظري، اعماله التي تعبر عن خصوصية مكان يغاير ما كنت اعايشه حينذاك من حداثة افرزتها مدرسه الباوهاوس في فايمار ألمانيا.
وفي اوائل السبعينات من القرن المنصرم، تعرفت عليه شخصيا، عندما حضر إلى الأردن بدعوه من مؤسسه الاغاخان في مؤتمر عقد في عمان. وقد بدا لي في أعماله، التصرف الإبداعي في توظيف الطابوق العراقي واستخدام تقنيات الاسمنت المختلفة، كان الجادرجي من اوائل من اهتم بمكننة العمل التصميمي باستعمال الحاسوب.
بعد الإفراج عنه في بدايات الحرب العراقية الإيرانية تواصلنا مره أخرى، دعاني للتحكيم من ضمن لجنه دوليه في مسابقة عالميه لمشروع باب الشيخ في بغداد، حينها عرفته في بغداد عن قرب، فقد دعا اصدقائه البغداديين برفقة اعضاء لجنه التحكيم الى بيته في مزرعة العائلة على شاطئ دجله لتناول الغداء.
مشهد اجتمع فيه نخبة من المقربين من المهنيين العراقيين مع أمثالهم من العالم، محطة نقاش وحوار مفتوح، وقد شهدته وهو يعبر عن توقه للحرية بانفصاله برفقة عدسته، عن العالم الذي يحيط به، لتسجيل مشهد طبيعي، يتتبع فيه تفاصيل حركة الطيور أثناء تحليقها باستعمال الكاميرا التقليدية، بسرعات عالية.
التقيته بعد هذا في عمّان، وبناء على طلبه اصطحبته في جولة لتعرف على آخر منجزات عمارة نهاية السبعينات، ومن ضمنها أعمالي، وعلى ضوء هذا اللقاء عرض عليّ المشاركة في تصميم المسابقة العالمية لجامع الدولة الكبير في بغداد، وهو الحدث الأهم في مسيرتي المهنية، فقد فتح لي أبوابا كانت محدودة، تقتصر على النطاق المحلي.
في آخر لقاء في عمّان، دعوته للمشاركة في شهادة تخص مسيرتي، في برنامج مصور للتلفزيون الأردني بعنوان سيرة مبدع، بمناسبة عمّان عاصمة الثقافة العربية ٢٠٠٢ وقد اقترح أن يسجل اللقاء في أحد المنازل التي قمت بتصميمها في عمّان، وقد استفرد لنفسه بوقت لتصوير تفاصيل المنزل، وبهذا استعدت لحظة تصويره لطيور بغداد.
لقاءنا الأخير كان في كينغستون في ضواحي لندن، أثناء فعاليات تحكيم جائزة رفعة الجادرجي برعاية مؤسسة تميّز الدولية، وكان يمسك بيده اليمنى الكاميرا وباليسرى يشدّ على يدي قائلا، استمر في مسارك أمانة يجب أن يستأنفها الشباب والتي كانت مصدر انشغاله الدائم واهتمامه القلق حتى آخر أيام حياته.
لقراءة بقية مقالات العدد الخاص بالذكرى السنوية الاولى رحيل رفعة الجادرجي