مسابقة جسر مشاة فوق نهر النيل: حوار مع المعمار المصري وليد عرفة حول أهمية البيئة الصديقة للمشاة

في ضوء جائزة رفعة الجادرجي لهذه السنة، يوضح المعماري المصري وليد عرفة لماذا يجب ان تكون البيئة الصديقة للمشاة أولوية لجميع المدن حول العالم

تدعو جائزة رفعة الجادرجي، وهي واحدة من جوائز برنامج تميُّز و ذات موضوع محدد سنوياً، المعماريين للمشاركة بتصاميمهم المقترحة لأنشاء جسر مشاة فوق نهر النيل في مدينة القاهرة، مصر. يذكر ملخص المسابقة ضمن شرح التصميم المطلوب بان الجسر يجب ان يربط بين منطقة ميدان التحرير و الزمالك، مع إعادة تخيل المساحة العامة التي تقع الى الجانب الشرقي من نهر النيل. يجب ان يكون التصميم المطروح بمثابة “بذرة لإلهام طرق حياة جديدة في مدينة القاهرة”، كما يقول ملخص الجائزة، “و ربما في المدن الكبرى الأخرى حول العالم”.
 
مع اقتراب موعد تقديم التصاميم المقترحة في الأول من شهر نوفمبر لسنة ٢٠٢٠، تتحدث مجلة المدينة المدورة مع المعماري المصري وليد عرفة، عضو لجنة تحكيم جلئزة رفعة الجادرجي 2020 عن أهمية ان تكون المدن صديقة للمشاة و تحديات التصميم الحضري التي يجب ان يتناولها بشكل مناسب جسر المشاة الجديد في القاهرة.
 
اقرأ ملخص مسابقة رفعة الجادرجي ٢٠٢٠ هنا.

ما مدى أهمية ان تكون المدينة صديقة للمشاة؟
ان اتفقنا على كون حركة المشاة هي من الأولويات المهمة في المدن و القرى و في أي نوع اخر من أنواع الاستقرار البشري، فذلك يعني، وعند توظيف الحلول الشاملة لحركة مرور المشاة، ان وجود جسور المشاة هو امر مهم منطقياً. اذاً، لماذا من المهم وجود حلول لحركة المشاة، سواء كانت هذه الحلول هي الجسور او أي هيكل اخر؟ برأيي، فأن الجواب واضح جداً، و خاصة بالأخذ بنظر الاعتبار مشاكل حركة المرور في كل مدينة التي لم تعطي الأولوية لحركة المشاة. و يتعزز وضوح الجواب كذلك من خلال ملاحظة الأثر الإيجابي للمدن التي تتمتع بشبكات حركة مشاة مناسبة و آمنة و ذكية، بما في ذلك جسور المشاة.
 
عادةً ما تتمتع المدن التي تفتخر بالتصنيفات الأعلى في الدراسات الاستقصائية الخاصة بدراسة جودة المعيشة، بالتصنيفات الأعلى كذلك في دعمها للبيئة الصديقة للمشاة. من الواضح جداً ان الحلول الموظفة لتسهيل حركة المشاة هي عنصر أساسي لتحقيق جودة الحياة في المدن، وبذلك فأن جسور المشاة هي ضرورة لاستمرارية الحركة الآمنة لشبكات المشاة، و خاصة حينما تتقاطع مع معوقات معينة مثل الأنهر و التغييرات التي تطرأ بشكل مفاجئ على طرق المركبات السريعة.
 
كيف كان تأثير هذه الجسور بصورة عامة على سياقها الحضري؟
عادةً ما تكون جسور المشاة، التي تعير اهتماماً شديداً في تصميمها للقياسات المناسبة لحركة الاشخاص، واحات من السكون في منتصف الضوضاء و تلوث الهواء الناجم عن المركبات.  فهي مواقع خالية من دواعي القلق، فلا يحتاج الاشخاص فيها القلق على سلامتهم او مراقبة سرعتهم. الإيقاع المختلف الذي توفره جسور المشاة يتيح الفرصة لهم لممارسة أشكال متعددة من الفعاليات و النشاطات و طرق المعيشة المختلفة. تعني حقيقة ان السرعة الأعلى على جسر المشاة هي محدودة طبيعياً بسبب قدرة الانسان المحدودة، فيعني ذلك ان الفجوة ما بين سرعة الشخص الذي يهرع للوصول لموعدٍ ما وسرعة شخص يتمشى على الجسر لرؤية شروق الشمس هي ليست بالفجوة كبيرة؛ وهذا يوفر فرصة تواجد منسجم ما بين الشكلين المختلفين من اشكال الممارسات اليومية. فجسور المشاة هي مساحات مكانية مشتركة ترحب بأنواع مختلفة من النشاطات، كما لو انها ساحات طويلة بنهايتين، مع منطقة وسطية تشجع على خلق الافاق و وجهات النظر المختلفة، إضافة لطرق متنوعة لرؤية المدينة، و هذا الامر لن يكون ممكناً بطريقة أخرى.  
 
ما الذي يجعل من الجسر موقعاً حيوياً؟
ببساطة، هي القابلية على جذب مواطنين أي مدينة على التفاعل معه بطرق إبداعية، منتجة، ممتعة، مرنة، ومستدامة. يجب ان يعتمد التصميم والتنفيذ على فهم عميق ل”روحية المكان”، و على الاحتياجات الضرورية لمستخدميه، و كذلك احتياجاتهم المحتملة إضافة لتطلعاتهم المستقبلية. و هذا يبدأ بتحديد البرنامج و الوظائف و أنماط التعبير و الجماليات الصحيحة، مع تحديد الاستراتيجيات الصحيحة لتحديد انسب الأنظمة الهيكلية و المواد و التفاصيل المعمارية الأكثر دقة.
و كلمة “حيوي” تعني في هذا السياق كذلك المرونة و القدرة على النمو و التغيير. لا يجب أن يساء فهم اعتبارات التصميم الدقيقة على أنها تضع المستخدم في قيود القدرة الحالية لخيال المصمم، بدلاً من ذلك، يجب أن تسمح بوجود العديد من المساحات الفارغة التي يمكن ملؤها من قبل المستخدمين المستقبليين، كل ذلك مع تلبية المتطلبات الفورية والواضحة والقياسية لأي جسر.

حسب اعتقادك، ما هي التحديات الحضرية التي يجب ان يعالجها جسر المشاة الجديد في القاهرة؟
يحتاج أي جسر للمشاة في القاهرة إلى تقديم إجابات لمجموعتين رئيسيتين من المخاوف و هي: التحديات والفرص.
 
وتشمل التحديات التلوث بجميع أنواعه، وخاصة الضوضاء وتلوث الهواء والتلوث الضوئي؛ و كذلك قضايا الصحة والسلامة. يجب معالجة هذه التحديات على نطاق واسع من خلال تقديم أفكار مناسبة لفصل كامل بين شبكات المشاة والمركبات، بالإضافة إلى تحقيق استمرارية وانسيابية حركة المشاة.
 
يجب أن تعمل جسور المشاة في وجودها الأيقوني المحتمل كمحفزات لالتزام أقوى وأولوية أكبر لحركة المشاة، بدلاً من اعتبارها واحات عرضية ومعزولة. على مستوى ادق، يجب أن تعالج جسور المشاة مشاكل مثل طرق الوصول لجميع المستخدمين، ومشاكل جمع المخلفات ومشاكل الصيانة.
 
يمكن تلخيص الفرص من خلال الإدراك والتأكيد على المميزات المنسية لمناطق مختلفة في القاهرة و التي هي بحاجة لجسور مشاة، وخاصة تلك التي تعبر نهر النيل. فكل نقطة عبور في هذه المنطقة تحمل موروث تاريخي وفكري و الذي يجب ان يُعزز في تصميم أي جسر يربط بينها.
 
كيف لجسر مشاة ان يحسن من تجربة المدينة في هذا الجزء من مدينة القاهرة؟
لهذا المكان تحديداً في مدينة القاهرة معانٍ عدة و هو يزخر بتاريخ و أحداث هامة معاصرة، و يتمتع بالجمال طبيعي، و المناطق الخضراء النادرة وبالمباني الثقافية. لكن المشكلة هي ان كل شيء هناك مجزأ ومفكك، وغالباً ما تتعرض التجربة الحسية للمارة للمقاطعة والعزل مع كل هذه العوامل والمعاني المختلفة. إن جسر المشاة المصمم كمحفز لتجربة متماسكة ومستمرة وسلسة من شأنه أن يساعد المستخدمين في الوقت ذاته على تجربة العديد من اوجه المدينة بأكثر الطرق عمقاً ومباشرة.
 
يمكن أن يكون الجسر الحلقة المفقودة التي تكمل مساراً للمشاة على ضفتي النهر؛ فيبدو المشهد كميدان بنهرٍ في المنتصف. يمكن للناس الجلوس أو التنزه أو المشي أو الركض في حلقة كاملة تبدأ من ساحة الضفة الشرقية، مع معرض في موقع مبنى الحزب الوطني الديمقراطي السابق، بالإضافة إلى المتحف المصري القديم. يمكن للناس خلال مرورهم في المسار الانخراط في منصات العروض الفنية، ومنصات المراقبة والصيد على الجسر نفسه، و ذلك عند وصولهم إلى الضفة الغربية بمساحاتها الخضراء الخصبة (وهو أمر نادر في القاهرة) وجسر قصر النيل، قبل العودة إلى الضفة الشرقية.
 
باعتقادك، كيف سيتجاوب السكان مع جسر المشاة الجديد؟
بكل إيجابية! فلم تُصمم الجسور الموجودة، كجسر ٦ أكتوبر مثلاً، بأخذ المشاة بنظر الاعتبار. ومع ذلك، حتى في حالة هذا الجسر ذات الهدف النفعي بشكل كبير، و الذي تم إنشاؤه للمركبات، فقد غزاه السكان المحليين بأكثر الطرق عفوية وإبداعاً ومحبةً للحياة. يجلس الكبار والصغار بهدوء وصبر مع صنارات الصيد الخاصة بهم وهي تتدلى من ارتفاعات لا تصدق، بينما ينزل المتزوجون حديثاً من مركباتهم لالتقاط صور مع نهر النيل في خلفية صورتهم. في الوقت نفسه، تعد عربات البطاطا الحلوة وباعة العصير الطازج وباعة الزهور هي مجرد أمثلة بسيطة على طبيعة الحياة التي يعشقها سكان القاهرة.
 
ينتج عن هذا الصدام بين التصميم الذي لا يستمع لاحتياجات المشاة مع المرونة المذهلة لسكان القاهرة عن بعض الانقسامات ومواطن الخلل. الآن دعونا نتخيل أن التصميم يستجيب لاحتياجات المارة ذاتها، قد تكون النتائج إيجابية بشكل مذهل. هذه فرصة للأشخاص والمصممين والمستخدمين على حد سواء للتعرف على إمكانياتهم الحقيقية ونقل تجاربهم إلى المزيد من المواطنين في القاهرة وأماكن أخرى حول العالم.