في الجزء السادس من سلسلة: النجف، يفحص المعماري العراقي – الفرنسي الدكتور تراث جميل الخانات التاريخية في المدينة
تاريخيًا، تم استخدام مصطلح “خان” للإشارة إلى المباني التي تخدم القوافل المتنقلة على الطرق التجارية. لاحقًا، على الرغم من ذلك، توسع استخدام هذا المصطلح ليشمل بناء المخازن والفنادق في الشرق الأوسط، بدءًا من العصرين المملوكي والعثماني . ونظرًا لأن النجف كانت وجهة رئيسية للسياحة الدينية منذ فترة طويلة، فقد احتوت على العديد من الخانات التي رحبت بالزوار وعملت كنقاط تبادل تجاري.
في الطريق المؤدي إلى النجف من كربلاء ، لا تزال هناك عدة خانات على الجانب الأيمن من الطريق. هذه الخانات، التي تختلف عن الخانات الحضرية، كانت تلعب دورًا أساسيًا في خدمة القوافل التجارية، إلى جانب زوار الإمام علي. تتكون المباني على الأقل من فناء داخلي واحد محاط بجدار قوي يتميز بالأقواس والغرف. استخدم الفناء لتجميع القوافل (الحيوانات والبضائع)، بينما استخدمت الغرف لإيواء المسافرين. و مع انتشار استخدام المركبات في النجف، أصبحت الخانات على جانب الطريق مهجورة وتوقف المسافرون عن استخدام المباني تدريجيًا. ومنذ ذلك الحين، تم هدم العديد منها أو تركت مهملة.
تشير المصادر التاريخية الى ان عدد الخانات الحضرية في وسط مدينة النجف القديمة كان يبلغ حوالي 20 خاناً حتى القرن العشرين، وتم بناء معظمها خلال القرنين السابع عشر والتاسع عشر. ومع ذلك، تم بناء الأول في عام 895 (مذكور فقط في المصادر التاريخية) وكان يتكون من جدار يضم 70 قوساً يستخدم كغرف للزوار.
وقد تطورت عمارة الخانات عبر الزمن لتتضمن ساحة داخلية مربعة أو مستطيلة محاطة بجدار قوي يتكون من غرف ومرافق لإيواء المستخدمين، كانت تشبه الخانات الموجودة على جانب الطريق، لكنها أصغر حجمًا. عادةً ما تحتوي الخانات أيضًا على بئر ومساحات مشتركة لرعاية احتياجات الزوار وقوافلهم. وبسبب شكلها وحجمها، كانت تُبنى الخانات بجوار سور المدينة أو ضريح الإمام علي. ولاستيعاب التدفق والعدد الكبير من الزوار خلال الأعياد الدينية، تم بناء العديد من المباني الأخرى واحتوى سور المدينة أيضًا على غرف يستخدمها الزوار، وقد أخذت نفس شكل الغرف المكونة للجدار الفعلي للضريح. و تؤكد هذه الظاهرة على نظرية أن الوظيفة الرئيسية لمساحات الضريح كانت توفير غرف لزوار الإمام علي، لكن فيما بعد أُعطيت وظائف أخرى، كمساكن للطلبة ومساحات للدفن ومكاتب.
في الصور التي التقطتها القوات الجوية البريطانية عام 1919، يمكن التعرف على عدد قليل من الخانات عند بوابة المدينة. وكانت هذه الخانات تستقبل السياح الذين يصلون بعد غروب الشمس حيث تُغلق بوابة المدينة. استمر هذا التنظيم العام حتى منتصف القرن العشرين، ولكن مع تطور نظام النقل الحديث، لم يعد الزوار بحاجة إلى المبيت، وإذا اقتضى الأمر، غالبًا ما يختارون الفنادق. في حين قدمت الفنادق وسائل راحة أكثر حداثة، إلا أن ارتفاع قيمة الأراضي أدى أيضًا إلى هدم جميع الخانات داخل المدينة باستثناء خان الشيلان، الذي أصبح أول متحف رسمي في المدينة.
بعض التفاصيل حول أصول خان الشيلان معروفة اليوم – على سبيل المثال، نعلم أنه تم بناؤه خلال خمس سنوات واكتمل في عام 1899 من قبل المهندس المعماري (أو الأسطى) السيد أحمد زكي. و من الواضح أن الخان كان مفتوحًا للاستخدام المجاني من قبل الزائرين. ثم، في بداية الحرب العالمية الأولى، قام الجيش العثماني بتحويل المبنى إلى ثكنة عسكرية، وقد استخدمه البريطانيون لاحقًا عند وصولهم في عام 1917. وفي عام 1918، بدأ النجفيون ثورة ضد البريطانيين وسيطروا على الخان، محولين إياه إلى قاعدة لهم، بالإضافة إلى أنهم استخدموه كسجن للجنود البريطانيين.
اليوم، يعد خان الشيلان هو الشاهد المعماري الأخير المحافظ عليه في العراق لمثل هذه الأبنية. من الخارج، يبدو المبنى كحصن مستطيل من الطوب. و يوجد مدخل خشبي واحد تم ترميمه مؤخرًا وتزيينه من الداخل ببلاط أزرق مزجج. يتبع التصميم الداخلي للمبنى مخططًا نموذجيًا: فناء داخلي محاط بغرف. في الأصل، كانت كل واحدة من الغرف في الطابق الأرضي تتيح الوصول مباشرة إلى الفناء الداخلي، ولكن مع الترميمات الأخيرة، تم تعديل الخطة لإنشاء مسار للزوار إلى المتحف يبدأ من الجانب الأيمن من المدخل ويمتد حول المبنى.
على جانبي الخان، يوجد إيوانان كبيران يستخدمان لجمع الزوار ليلاً لرواية القصص أو التبادلات البسيطة. وتم إغلاق الإيوانات الآن بحواجز خشبية أو تحولت إلى غرف عرض بجانب معظم الغرف في الطابق الأرضي. يحتوي الطابق الأول على نفس عدد الغرف، وبعض العلامات المميزة التي صنعها الجنود البريطانيون الذين كانوا محتجزين هنا خلال الثورة.
اليوم، لا يزال بإمكاننا إنقاذ الخانات المتبقية. خان الشيلان هو مثال عظيم على جهود الحفاظ على وسط مدينة النجف القديمة، ولكن يمكن أيضًا تخصيص وظائف جديدة للخانات الموجودة على جانب الطريق لخدمة السياح الذين يزورون مدينتي النجف وكربلاء المقدستين. الملايين الذين يسيرون من جميع أنحاء العراق نحو هاتين الوجهتين يمكن استضافتهم وإيواؤهم في الخانات التي تم ترميمها. يمكن أيضًا إقامة أنشطة ثقافية أخرى في هذه المباني، والتي من شأنها أن تساعد في جمع التبرعات اللازمة.