ضريح الامام علي
The Mausoleum of Imam Ali

النجف – ضريح الإمام علي

عن المؤلف
الدكتور ثراث جميل
الدكتور ثراث جميل هو مهندس معماري مقيم في باريس ومن مدينة بغداد. يعمل مع شركة 5-cinq، وهي جزء من أبحاثه في رسالة الدكتوراه، وحصل مؤخرًا على درجة الدكتوراه في تاريخ الفن من جامعة السوربون. وهو أيضًا منسق لجائزة تميّز.

في الجزء الثاني من سلسلة النجف، يقدم المعماري العراقي المقيم في باريس د. تراث جميل نظرة على التصميم المعماري وتاريخ أهم معلم في النجف: ضريح الإمام علي.

مثل العديد من المدن التي كانت مراكز للتاريخ الديني، تحتفظ النجف الواقعة في جنوب العراق، بعدد من المواقع ذات الأهمية الإسلامية. تعكس هذه المواقع المتسمة بالتصميم الإقليمي والتعبير المعماري، قرونًا من البناء والتطوير، الذي يعبر عن عصور حكام و ولاة مختلفين حكموا المدينة. وقد يكون أحد الخيوط المتسقة لعمارة النجف، وأنماطها المختلفة، أنها إقليمية، مع الشكل الذي يتناسب دائمًا مع الوظيفة. تلبي الهندسة المعمارية للمدينة احتياجات سكانها وقد تم تكييفها على مر التاريخ لخلق بيئة ملائمة للعيش في منطقة شديدة الحرارة وجرداء وجافة.

لقطة جوية للنجف عام 1918

أنتجت المدينة مناخًا داخليًا مناسبًا لسكانها من خلال اتباع تخطيط بدمج المباني على مقربة من بعضها البعض، مع تضييق الشوارع للحفاظ على تدفق الهواء وتوفير الظل من الأشعة القوية نهارا . إن أعظم مثال في المدينة على ذلك هو ضريح الإمام علي، الذي تم بناؤه وفقًا لمبادئ التصميم الملائم للبيئة لحماية المستخدمين من البيئة القاسية مع توفير المساحة المطلوبة. بشكل عام، اعتمد مجمع الضريح التصميم الملائم للبيئة باستخدام المواد المحلية كالاجر (الطابوق بشكل أساسي)، بينما تم بناء الجدران السميكة لتقليل التبادل الحراري بين المساحات الخارجية والداخلية. هنا، سنلقي نظرة متعمقة على بناء الضريح، ونستعرض الموقع باعتباره جوهر مدينة النجف.

حقوق الصورة تعود إلى تراث جميل، الوراق/اليونسكو

الضريح

منذ إنشائه، سيطر ضريح النجف على مشهد المدينة. تم بناؤه على قبر الإمام علي، الخليفة الرابع الذي حكم من عام ٦٥٥ م إلى ٦٦١م. وانتهى حكمه عندما اغتيل أثناء صلاته في الكوفة، وقد دفن من قبل ابنيه في مكان سري لحماية قبره من تهديدات المعتدين. اليوم، يشكل ضريح الإمام علي جوهر المدينة – وسبب وجودها. حيث تتجه اغلب الشوارع في النجف نحوه.

بعد دفنه مباشرة، تم إخفاء موقع القبر عن الجمهور؛ ومع ذلك، عند وصول الخليفة هارون الرشيد عام ٧٨٦م، سمح ليشعة الإمام علي بزيارة قبره، مما جعله نقطة جذب للسياحة الدينية. ومنذ ذلك الحين، أصبح موقع القبر معروفًا للعامة وشهد العديد من مشاريع البناء في محيطه. بدءاً من أول مشروع حقيقي عام ٨٩٥م من قبل محمد بن زيد العلوي، ملك منطقة طبرستان، الذي أمر ببناء مزار على القبر تغطيه قبة ومحاط بجدار. كان هذا الجدار يتألف من ٧٠ قوس اي ٧٠ غرفة لاستقبال زوار الإمام. تلا ذلك مشروع آخر في عام ٩٨٠م من قبل عضد الدولة، الذي قام بتوسيع المزار مع وضع شاهد فوق موقع الدفن وبناء قبة جديدة. منذ ذلك الوقت، كان القبر متكاملًا بشكل جيد مع بقية المدينة ويعمل كمنطقة مركزية لها.

اليوم، يمكن إرجاع شكل الضريح إلى شاه صفي الأول عام ١٦٣٢م؛ ومع ذلك، في القرون اللاحقة، تم إجراء العديد من التعديلات، ولكن دون التأثير على الخطوط الرئيسية للمبنى. للأسف، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أدت مشاريع التطوير الحضري، التي كانت تتألف من إنشاء شوارع حديثة ومساحة مفتوحة حول الضريح، إلى فصل هذا المجمع عن المدينة.

يتكون المجمع من حد خارجي سميك يشبه شكل مربع حول القبر يبلغ طوله حوالي 120 مترًا على كل جانب باستثناء الجانب الجنوبي، الذي يبلغ حوالي ١٠٠م. و يبلغ ارتفاع الجدار المحيط ١٢م، وتخترقه خمس بوابات رئيسية (واحدة على كل جانب باستثناء الجانب الشرقي الذي له بوابتان ). جميع البوابات تؤدي إلى الفناء الداخلي، وقد بنيت بارتفاع أعلى من الجدار الخارجي. وتزين الأبواب بشكل كبير بالخزف الملون المسمى محليًا بالكربلائي. وخلف البوابات، تستمر الممرات ذات الأطوال المختلفة في الزخرفة الكثيفة. ومع ذلك، تم بناء باقي الجدار بالطابوق الذي يفتقر إلى الزخرفة المعقدة الموجودة على البوابات.

يفصل الفناء بين المبنى الرئيسي الذي يضم المزار والجدار الخارجي. وشكل الفناء مربع تقريباً بطول ٧٧ م من الجانبين الشمالي والجنوبي وطول 83 متراً على الجانبين الشرقي والغربي. و يمتد الفناء على مساحة حوالي ٤٢٠ متر مربع مرصوفًا بحجر من الرخام الأبيض، على الرغم من أن الأرضية عادة ما تكون مغطاة بالكامل بالسجاد الفارسي الفاخر. حول الفناء، يمكن للزوار رؤية عدد من الإيوانات، أو المناطق شبه الخارجية المقببة الشائعة في عمارة المساجد، على طول المستويين – بما في ذلك الإيوانات الكبيرة للبواباب الرئيسية.

تُستخدم الإيوانات عادةً كمناطق استراحة، ولكنها في الماضي كانت تشكل مداخل لمساكن الطلاب الذين كانوا يعيشون هنا أثناء إكمال دراستهم. وبعض هذه المداخل تستخدم في الواقع لمبانٍ مختلفة مخفية داخل جدار المجمع. تشمل هذه الأبنية ثلاثة مساجد ومدرسة ومكتبة وقاعة استقبال ومرافق أخرى مثل المكاتب ومناطق الخدمات، المنتشرة داخل سمك الجدار. تم تزيين واجهات هذه الإيوانات بشكل كبير بنفس طراز الخزف كالمداخل، بينما يوجد في الواجهات الأربع شريط خطي مصنوع من البلاط الأزرق والأبيض مخطوط بسور من القرآن.

يقع المزار، المحدد على شكل مربع، في وسط الفناء وعلى مسافة متساوية من الجوانب الثلاثة للحدود المحيطة بالمكان بينما يرتبط بالجدار الغربي. ويتم الدخول الرئيسي من الواجهة الشرقية عبر الإيوان الرئيسي. وتكتسي هذه الواجهة، إلى جانب الإيوان والمئذنتين المتمركزتين على جانبي المزار، بالكامل بالذهب. وقد تم تركيب الزخرفة والذهب خلال مرحلة البناء في عهد نادر شاه في عام ١٧٤٥م. وخلال هذا المشروع، وتمت تغطية القبة أيضًا بالذهب، بينما تمت تغطية بقية المزار والمجمع بالخزف الكربلائي. وهناك أيضًا مداخل ثانوية إلى المزار، وتستخدم للتحكم في تدفق الزوار، الذي يمكن أن يصل إلى عدة ملايين خلال فترات معينة من العام.

توفر جميع المداخل الوصول إلى الممرات الأربعة التي تحيط بغرفة الدفن. ويبلغ عرض هذه الممرات حوالي خمسة إلى ستة أمتار وارتفاعها اثني عشر متراً. وهي مزينة بالكامل بالفسيفساء المصنوعة من المرايا المقطوعة على شكل هندسي ونباتي. و يمكن للزوار الوصول إلى غرفة الدفن من خلال الممرات عبر ثلاثة مداخل: المدخل الشرقي و هو المدخل الرئيسي، بينما الآخران هما المدخلان الشمالي والجنوبي.

وغرفة الدفن في الضريح مربعة الشكل يبلغ طول كل جانب فيها ١٣ متراً، وهي مغطاة بقبّة يبلغ قطرها ١٢ متراً وارتفاعها ٢٣ متراً. ترتكز القبة على ثمانية إيوانات تشكل الجوانب الأربعة لغرفة الدفن.

غرفة الدفن هي القسم الأكثر تفصيلاً وزخرفةً في المجمع بأكمله. والزخرفة تتكون بشكل رئيسي من فسيفساء مرايا باللونين الأزرق والأبيض، في حين أن القبة مغطاة بالخزف الكربلائي ومزينة بأشكال نباتية وهندسية على سطحها الداخلي.

في وسط الغرفة، يوجد شكل شبه مكعب يعرف محليًا باسم الشباك. و يعود تاريخ هذا المكعب إلى عام 1942 ويتكون بشكل رئيسي من الفضة والذهب، ويبلغ قياسه حوالي 6 × 5 × 4 أمتار. ينقسم المكعب أفقياً إلى جزأين: يتكون الجزء السفلي من ١٨ نافذة مصطفة حول الضريح ومصنوعة من الفضة، والجزء العلوي هو التاج الذي يحمل هذه النوافذ. داخل الشباك، يوجد صندوق خشبي موضوع فوق قبر الإمام علي.

مجمع الضريح هو انعكاس لمدينته. بدءًا من الجدار الخارجي وحتى بوابات المزار وغرفة الدفن، يتبع التصميم تسلسلا هرميا نموذجيا للمساحات، حيث يمثل المركز المبنى الأهم.

وخلال جهود الترميم الأخيرة في عام 2006l، تم اكتشاف أنفاق ل لتهوية داخل الجدران والسقوف، والتي تم تركيبها لإنشاء دورة هوائية طبيعية، مما يخفض درجة حرارة المساحات الداخلية والفناء.

في الأصل، كان المجمع مرتبطًا بالمدينة وينشط ضمنها، مما يوفر بيئة مناسبة لسكان النجف. ولكن أدت مشاريع التنمية الحضرية التي نفذتها حكومات المدينة لاحقًا إلى فصل المجمع عن البيئة الحضرية المحيطة به، مما أدى إلى فصل وتدمير النظام البيئي للمدينة.

المجمع الآن هو جزء من مشروع تنمية أكبر قيد الإنشاء منذ عام ٢٠١٢م. و سيكون المجمع الجديد أكبر بثلاث مرات من المجمع الحالي، لتقدم المدينة الصورة الجديدة للإسلام الشيعي إلى العالم.

زخرفة الضريح في الليل