لأني لم أدرس العمارة في العراق، كانت بداية علاقتي مع الأعمال المعمارية في العراق عبر الويب. وأعني طبعا البداية الواعية بالأعمال، بفضول ورغبة التعلم والفهم عن قصد، لا المعلومات المُبعثرة، المُكتسبة بالتداول أو المشاهدات السابقة.
لكن الويب نفسه لم يكن بهذه الوفرة الموجودة الان، وخصوصاً بما يخص عمارتنا. وكان محرك بحث الـ ” ياهو“- الأكثر شيوعا حينها – كأرض بكر لم تستوطن بعد، ونتائجه شحيحة جدا بما يخص البحث عن عمارتنا. لذلك، فأنا أتذكر جيداً اللحظة التي ظهرت بها نافذة بسطح أزرق داكن، تحمل عشرات المقالات المعمارية، أتذكرها كما أتذكر تجربتي الاولى بالقيادة، صعود الطائرة، وغيرها من تجارب الحياة، لأن المعرفة هي رحلة أيضاً. كانت هذه النافذة هي موقع” الحوار المتمدن“، والمقالات لصفحة للدكتور خالد السلطاني فيه.
ومثلما نُبقي النوافذ ذات الاطلالات مفتوحة للتمتع بالمشاهد الجميلة، بقيت تلك النافذة مفتوحة عندي، هناك – ومن ثم في مؤلفات الدكتور السلطاني – تعرّفت على أبرز نماذج عمارتنا، الحديثة خصوصاً، وعلى معماريينا، بأعمالهم وحياتهم. أعدت قراءة طروحات التيارات العالمية، قراءات مُهمة لأعمال مُلهمة، مواقف مهنيّة، وأخرى ثقافية، عن تقبل الآخر المُختلف، عن الهوية كمفهوم مُتجدّد، لا أسيراً للماضي. والكثير من الدروس. قرأتها بفضول وتأني، لان التأني هو ما يفرض نفسه على القارئ، للغتها الدقيقة، ثرائها المعرفي، روحها المدنية، وصياغتها الساحرة.
بالنسبة لي، فإن الدكتور خالد السلطاني، هو مؤسسة وليس فرداً. لا أقصد فقط الجانب الكمّي والنوعي بمساهماته وأعماله المكتوبة والمشيّدة، بل أيضاً عن الاحتواء والمساندة بالروح التربوية التي تمنح الآخرين الدعم بسخاء حب المهنة ورغبة المنح للارتقاء بها، بدوام اشاعة ثقافتها وتهذيب حواراتها. وحديثي هنا عن تجربة شخصية، كشاب كان حديث التخرج لا يعرفه الدكتور، عقدت العزم على الترجمة من الانكليزية كتاب ”101 شيء تعلمته في قسم العمارة. 2012“، وأقصى طموحي حينها كان أن يمنحني الدكتور سطراً يوضع كنُبذة على غلاف الكتاب، لكنه ذهب الى أبعد من ذلك بكثير، بكتابة تقديم للكتاب، أسعدني أكثر من واقعة صدور الترجمة نفسها. تعلمت منه درساً بتذكر ضرورة منح الثقة والدعم لمن يحتاجها عندما نستطيع، دون تعالي، وأن نراهن على حسن نوايا ومقاصد الآخرين.
على شاشة كومبيوتري الشخصي أغلقت نافذة الحوار المتمدن منذ مدة، لكن بذهني كمعمار وكاتب، لازالت حاضرة ومفتوحة في الاسفل” Minimize“، وهي تومض اليوم بمناسبة خاصة جداً تدعو للاحتفال: إنها ثمانينية الدكتور العزيز خالد السلطاني. له مني كل الامتنان، واصدق الامنيات بدوام العطاء ووافر الصحة.