كتبت له ” أستاذي العزيز، أود لقائك إن سمح وقتك” مادام الذي يفصل بين مدينتي الحالية – مالمو – ومدينة أقامتك – كوبنهاغن – ليس الا جسر بطول بضعة كيلومترات.
أجاب بلا تردد ” أهلا بك، انتظرك قرب محطة الباصات إذن”
وبالفعل وجدته هناك ينتظرني بكل دماثته المعهودة وطيبته التي تسع الدنيا بما فيها.
كان كما يفعل دائما يحمل معه كاميرته ولايترك معلما معماريا ً الا وإلتقط صورته وبحث في تاريخه. إقترح علي ّ جولة معمارية هناك على أمتداد شارع Strogetوهو من اطول شوارع التسوق الاوربية للمشاة car free shopping area وبدءا ً من فندق رويال ساس لرائد الحداثة الدانماركية أرن جاكوبسون وإنتهاءا ً برائعة هننغ لارشون دار الاوبرا في كوبنهاغن. وكان يتوقف عند كل مبنى ليشرح لي تأريخه وتفاصيل أخرى. كانت الجولة عرضا ً تاريخيا ً حيا ً لعمارة بلد لم نكن نعرفه لكنه كان يستعرضه كمن عاش العمر كله فيه.
بين هذا اللقاء وأخر عهد لي باستاذي القدير عقدان من الزمن أو أكثر قليلا، عندما كان يشارك في تقييم أطروحة تخرجي وبعد أن علـّمنا تاريخ العمارة في المرحلة الثالثة. كان يستعرض لنا فيها تاريخ العمارة بشكل سلس ممتع عذب يتحدى النسيان.
كان الدكتور السلطاني أول من شجعني على الكتابة في العمارة بعد أن بدأت بالاطلاع على كتاباته التي تملأ الصحافة العربية. قرأت له في الجمهورية وفي المدى وفي إيلاف وفي مواقع الكترونية وأماكن أخرى. كانت ومازالت كتاباته بحق حلقة الوصل بين الفكر المعماري والقاريء الخارج عن هذا الوسط.
يتحرك الفكر المعماري وفلسفته في فضاءاته الخاصة بعيدا ً عن القاريء العادي – إن صح القول – فلا يقتحم هذه الكتابات / القراءات الا المتخصصين فيها أو بعضهم، ويحجم الاخرون عنها. غير أن كتابات أستاذنا السلطاني أستطاعت بسلاستها أن تكسر هذه الحواجز لتكون مرتعا ً خصبا ً لقراء ٍ من توجهات شتى. وكما قيل ” كاد المعلم أن يكون رسولا” فقد اصبح الدكتور السلطاني رسولين في آن واحد، رسولا لتلاميذه، ورسولا للعامة من القراء.
تتميز كتابات الدكتور السلطاني بغزارة وتنوع وكأنما لم تدع معلما معماريا ً أو حدثا ً معماريا ً، وخاصة فيما يخص عمارة العراق وتخطيطه الا وتعرضت لها فتحولت بلا شك الى موسوعة معمارية وبالخصوص عمارة الحداثة فلا غرابة أن يوصف بمؤرخها.
عايش أستاذنا السلطاني مرحلة عمارة الحداثة بكل تفاصيلها وتداخلاتها منذ أن أكمل دراسته في معهد موسكو المعماري عام 1966 – ذات العام التي صدر فيها كتاب التعقيد والتناقض في العمارة لروبرت فنتوري والذي يراه الكثيرون انه بيان ولادة المرحلة التالية لعمارة الحداثة أي ما بعد الحداثة -. درس الدكتور السلطاني الحداثة وما بعدها ودرّسهما وأرّخ فيهما ولهما مالم يؤرخ لهما آخر – كما تشهد بذلك غزارة كتاباته في هذا المضمار. كما عاصر نشوء المرحلة التالية لهما وما تضمنته من حركات وأساليب مختلفة كالتفكيكية والبارامترية والتقنية العالية والاجتماعية والميتابولزم والظاهراتية وغيرها وقد كتب فيها هي الاخرى بما يكفي لتعريفها للقاريء العربي. وبالتأكيد أن لاستاذنا القدير نشاطات أخرى في التصميم والاشراف والتحكيم وغيرها.
وفي ثمانينية أستاذنا السلطاني لا يسعنا الا أن نبدي الشكر والامتنان له وهو أقل ما يقال متمنين له عمرا ً مديدا ً وعطاءا ً مستمرا ً.